اللطف واللمسة الحانية
اللطف واللمسة الحانية
د. عبدالرحمن العدوي - الأستاذ بكلية الدعوة وعضو مجمع البحوث الإسلامية
فيقول: الإسلام يَحُثُّ أتباعه على حسن الخلق، وحسن القول، والتلفظ بالألفاظ الطيبة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فاحشًا ولا طعانًا، ولا بذئيًا. والقرآن الكريم يقول: "وَقُوْلُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، ويقول أيضاً: "يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُوْلُوا قَوْلاً سَدِيْدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ…."، وعليه فإن المسلم الملتزم لا ينطق بلفظ يُحْسَب عليه، ولو على سبيل المزاح، أو إضحاك الآخرين، والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم أخبر معاذاً بن جبل رضي الله عنه بقوله: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوْهِهِم – أوْ عَلَى مَنَاخِرِهِم - يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا حَصَائِدَ أَلْسِنَتِهِم"، وحصائد الألسنة هي الفَلْتات التي تبدر من الإنسان ولا يستطيع أن يَعُدُّها من السيئات، وهذا كافٍ لأن يجعل الإنسان المسلم يهذب نفسه، يحسن ألفاظه، يبتعد عن اللفظ الدارج على لسان الناس. وعن سبل معالجة هذه الألفاظ لدى الصغار يقول د. العدوي:
1- أن يكون الأب - نفسه - مثالاً للقدوة وحسن اختيار الألفاظ، فلا يكن فاحشًا ويأمر صغيره أن يَكُفَّ عن الفاحش من القول.
2- ألا يقول للصغار - ولو على سبيل المزاح - ابصق على وجه ماما يا حبيبي، اشتم بابا ونفرح بهم عندما يفعلون، فإن هذا يجرِّئهم على شتم آبائهم، وأمهات زملائهم، مع أن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ينبِّه أن مِن "أَكْبَرِ الْكَبَائِر أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْه، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْه يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: "يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّه"، أو كما قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم.
3- إذا كنا نطالب الآباء بأن يكونوا قدوة حسنة، فإن من حسن القدوة أيضًا ألا يبتسم الوالدان إذا نطق الصغير بكلمة خارجة أو تُعَدُّ خارجة، أو بعيدة عن الأدب، الصمت عن مثل هذه الكلمة أول مرة يجرؤ الصغير، بل ينبغي أن نحذره: هذه كلمة نابية والولد المهذب المحترم لا يقول أمثال هذه الكلمات ولا أعنفه في المرة الأولى؛ لأن الطفل بطبعه عنيد وإذا زاد التعنيف قد يأتي بنتيجة عكسية.
4- فإذا ما تكرر هذا اللفظ من الصغير فإن على الأب أو الأم أن يتمهلا، فالعلاج ينبغي أن يكون بالرفق واللين، بعد أن أعيد عليه الكلام، دون أن أبيِّن نفاد صبري أضع يدي على رأسه، أضمُّه إلى صدري، أُشْعِره بالألفة والحنان حتى وهو مخطئ، أستميله وجدانيًّا، والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا وُجِدَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَه، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءِ إِلاَّ شَانَه".
5- ملاحظة الطفل لا يجب أن تكون في المنزل فقط، بل يجب أن تكون في المدرسة - أيضًا - المعلم أو المعلمة يراقب صغاره، فمن وجده منهم ينطق بكلمة سيئة أو غير حسنة باللطف يقول له: أنت تلميذ مهذب.. وهذا لا يليق بأسرتك الحسنة التي أعرفها.
6- ثم إن هناك واجباً أعم وهو واجب الإعلام في مختلف دول عالمنا الإسلامي من إذاعة وتلفاز وغيرها، حتى لا تقتحم الأصوات، والعبارات النابية على الناس منازلهم، وهي إشاعة للقول والأخلاق السيئة.
7- أن يوضح كل هؤلاء ويضعوا في أذهانهم قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِيْ أُكُلَهَا كُلَّ حَيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْن".
ثم توضح أن الكلمة المؤذية شجرة خبيثة ينفثها الشيطان في أذن قائلها، وتؤذي المستمع، ثم إن الكلمات التي تؤذي الآخرين ليس لها علاج والشاعر العربي القديم يقول:
جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئَامُ وَلا يَلْتَئِمْ مَا جَرَ