دع عنك المتشائمين.. وطني هو المجد
مؤشر التنفيذ يعاني من سوء الإدارة وغياب الرقابة، مما يؤدي في النهاية إلى تعثر بعض المشاريع الحكومية، ثم يلقي البعض باللوم على الوطن كله، رغم أن الخلل بشري
دع عنك كل هؤلاء من السلبيين وجيوش المتشائمين، وكل من يفسد يومك في "تويتر" أو "الفيس بوك" عن مستقبل أسود ينتظرنا، ويقف بالمراصد لأجيالنا القادمة، بل ولا يرى سوى نصف الكأس الفارغ من كل مشروع وطني رائد، بينما الحقيقة مختلفة تماما عن ذلك كله.
خلال السنوات القليلة الماضية تحقق الكثير والكثير من الآمال الوطنية، على مختلف الأصعدة، وهي إن رافقها قصور أو نقص هنا وهناك، فتلك أمور متوقعة، وسنة كونية في إنجاز الأعمال، ولعل جولة بانورامية على محاور وطنية متعددة، سوف تجعلك مدركا للمشهد الأكبر وصورته الإيجابية الرائعة، دون الغوص في سلبيات التفاصيل.
فهاهي السلطة القضائية تنفض عن نفسها غبار السنين ومراحل الجمود، بمشروع طموح يستهدف تطوير القضاة والقضاء، وما تصدر أخبار محاكمات سيول جدة إلا دليل على جدّية المشروع، والرغبة "الملكية" في تطويره بما يتلاءم مع تطور المملكة، أما السلطة الرابعة؛ فلقد تميزت سنواتها القليلة الماضية بتأسيس هيئات وجمعيات إعلامية متخصصة، هدفها تطوير المهنة، ورفع صوت الإعلامي السعودي، وخصوصا الشاب منه، وما القرارات الأخيرة بتأسيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وكذلك هيئة وكالة الأنباء السعودية إلا دفعة إضافية لمزيد من الاستقلالية والمرونة في المؤسسات الإعلامية الحكومية.
عزيزي.. دعك من المتشائمين، فمملكتنا الغالية بحاجة إلى جهود المخلصين من أبنائها المتعلمين، ولعلك إن نظرت بعين محايدة إلى الواقع الحالي لتعليمنا العالي، لوجدته حقق قفزات متتالية، اختصرت سنوات طويلة، ومنها "برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي"، البرنامج الأضخم من نوعه في العالم كله، والذي تجاوز عدد المستفيدين منه المئتي ألف شاب وشابة، وأضحى كل بيت في المملكة مشاركا في هذا البرنامج الريادي، فتلك فتاة تدرس برفقة والديها، وذاك شاب أنهى الماجستير ويستعد للدكتوراه في تخصص نادر، ومبشرات هذا البرنامج لا تزال تتوالى، من أبحاث ودراسات منشورة في أعرق المجلات العلمية، والأهم من ذلك بناء علمي ومهني متين لجيل صاعد من السعوديين، ناهيك عن تسارع توسع التعليم الجامعي في المملكة، ووصوله إلى كافة المحافظات والمناطق، حتى وصلنا في هذا العام إلى مشكلة المقاعد الشاغرة في الجامعات الحكومية، بعد أن كنا نعاني من صعوبة القبول والمنافسة الشديدة على مقعد أو مقعدين، هنا وهناك، وتجاوز الأمر إلى تشجيع تلكم الجامعات الشابة، فهاهي تنافس في المحافل الدولية، وتتجاوز عمرها الحقيقي بإنجازات متتالية، تفصح عن مستقبل مشرق ينتظر البحث العلمي في بلادنا.
أما درة التفاؤل في مملكتنا الحبيبة فهي مشروع حلم خادم الحرمين الشريفين: "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية"، والتي ما إن استهلت تخريج أولى دفعاتها من حملة الماجستير، حتى بدأت بتسجيل براءات الاختراع، والنشر العلمي في أعرق المجلات العلمية، وأضحت مقصدا لطالبي المنح العلمية من أميز طلاب وطالبات العالم، ونحن نعلم أن الطريق طويل وشاق، حتى ظهور نتائج بيت الحكمة هذا، ولكن وجودها في المملكة وقربها من الجامعات الحكومية والأهلية سوف يسرّع من الاستفادة المشتركة، ويحقق فرصا فريدة للشباب السعودي المبتكر والمتحفز دوما.
أما المثير للاهتمام فهو التغير الإيجابي في رتم التفاعل الحكومي مع متطلبات المجتمع، وذلك بسبب كون شريحة الشباب تشكل أغلبية كبيرة من سكان المملكة، أدى إلى ظهور مبادرات وطنية تستهدف الشباب بشكل خاص، أضحت لاعبا أساسيا في المشهد التنموي، فمن "صندوق تنمية الموارد البشرية"، الذي يهدف إلى دعم توظيف الشباب والشابات في القطاع الخاص، عبر حزمة برامج مالية وتدريبية وتشريعية مختلفة، إلى "صندوق المئوية"، وهو مؤسسة غير ربحية تعنى بتمويل مشاريع الشباب، وكذلك مبادرات وزارة العمل، من "نطاقات" و"حافز" تفصح عن تغيّر في أسلوب عمل الجهات الحكومية، وسرعة تجاوبها مع احتياجات الوطن، بل إن تفاعل بعض الوزارات ومسؤوليها عبر وسائط الاتصال الاجتماعي كما في "توتير" ساهم في حل بعض المشكلات في وقت أسرع، أو على الأقل جعل المسؤول الحكومي مدركا لأبعاد أي مشكلة بشكل أوسع.
يغفل المتشائمون عن أن كثيرا من الأخطاء والنقص سببه الرئيس هو ثقافة المجتمع، وميل البعض للراحة والسكون، خصوصا من موظفي القطاع العام، حيث تجد الميزانيات الضخمة والاعتمادات المالية، لكن مؤشر التنفيذ يعاني من سوء الإدارة وغياب الرقابة، مما يؤدي في النهاية إلى تعثر بعض المشاريع الحكومية، ثم يلقي البعض باللوم على الوطن كله، رغم أن الخلل بشري وإحدى مسؤولياتنا الأساسية نحن كمواطنين؛ هي العمل على الكشف عن مواطن الخلل والعمل على حلها، ودعمها، لا أن نكون مجرد رجع صدى للانتقاد فقط، دونما العمل والمساهمة في حل ما نراه نقصا أو تقصيرا، ذلك أن هناك خيطا رفعيا ما بين الانتقاد السلبي والنقد البناء، وكلمة السر هنا هي التوازن في الطرح، والبحث عن المعلومة الصحيحة الموثقة، وكذلك طرح الحلول المنطقية والقابلة للتطبيق، والأهم من ذلك تلكم الحلول التي تحقق المصلحة الوطنية بشكل عام.
دعك عن المتشائمين.. فوطني هو المجد، ووطني للجميع وأنت جزء منه، فكن مِعول بناء وصوت حق متوازن، ذلك لأن المستفيد الأخير في النهاية هو أنت فقط.